لا أعرف كم من الوقت مضى بينما كنت في الحمام، استغرقني تسريح شعري، وحينما خرجت كانت هناك رائحة فطائر لذيذة، وطعام ساخن.
- صباح الخير ياحلوتي.
- صباح الخير.
كان يضع الطعام على المائدة، قررت أن أتصرف بتلقائية وببساطة؛ لكي لا أثير توتره
- كيف وصل هذا الطعام إلى هنا؟؟
وهنا رفع عينيه الساحرتين نحوي، كنت قد صففت شعري وتركته منسدلاً، فيما وضعت مشبكاً صغيراً من القماش اللامع على الطرف الأيسر، وارتديت فستاناً صباحياً بيج تزينه الوردات الحمراء الرقيقة، وتنتشر عبره لمعة ذهبية براقة، الفستان كان من الحرير، فيما كانت وروده اللامعة من الدانتيل الفرنسي.
ووضعت مكياجي بنفسي، القليل من الظلال الازرق بزرقة البحر ممزوجا بالذهبي والبيج وعلى شفتي حمرة بلون التوت، كما تزينت بطقم من الذهب المطعم بالأحجار الكريمة الملونة بألوان الطيف، عصري ورقيق...
شعرت بنظراته المعجبة تتفحصني، وشعرت به كمن يحمد الله لأني زوجته، لست أبالغ شعرت بذلك فعلاً!!! فقد برقت عيناه، ثم همست شفتاه، بحمد الله، لقد لاحظت كل ذلك، بدى ذلك واضحاً، مما أشعرني براحة متناهية، وفخر وشحذ همتي لأتواصل معه بثقة وحرية، تلك النظرة كانت كافية ؛لتحررني من هواجسي السلبية بخصوص مظهري أو بدانتي.
- كل يوم سيصلنا الطعام جاهزاً إلى اليخت، لقد تعاقدت معهم على ذلك.
- من هم؟؟
- أصحاب اليخت.
- أه إذاً فاليخت يعود إلى شركة سياحية!
- بالتأكيد، هل اعتقدتي أني أملكه؟ لدي قارب صغير، ودراجة مائية فقط. لكني لا أملك يختاً، إن شاء الله حينما تتيسر أموري ،أعدكِ بأن أبتاع لنا واحداً، هذه إحدى خططي المستقبلية.
- يبدو أنك تحب البحر.
فرد وهو يمضغ قطعة الكروسون: منذ الصغر، والدي كان بحاراً، يعشق الصيد والإبحار، وقد كنت أرافقه لصيد السمك إذ كنت صغيراً، ثم أصبحت أخرج مع رفاقي بين وقت وأخر للصيد، عليكِ أن تعتادي ذلك لاحقاً. وابتسم تلك الابتسامة الجذابة، وعاد ليتأملني ثم أراد أن يقترب مني؛ ليطعمني...
- لا أرجوك، سآكل بنفسي.
قال معترضاً: أنتِ عروس .. والعروس تأكل من يدي عريسها.
اقتربت من المائدة، كان هناك الكثير من الطعام، فطور شرقي على فطور غربي، كل شيء تقريباً،
وأثناء الفطور دار بيننا حديث مطول ومنوع، قال وهو يطعمني المانجا: إذاً أنت الوسطى بين أخواتكِ ؟
- ليس تماماً، قبل الأخيرة من حيث البنات، يصغرني أيضاً أخي فهد بخمسة أعوام .
- أممم، هل أفهم أنكِ مدللة؟
ابتسمت برقة؛ فأنا أحب أن يحدثني على هذا النحو...
- لست مدللة لأني صغيرة، لكن والدي يدللنا جميعاً، دلالاً متوسطاً، لا يفسدنا.
قلتها بينما احتفظت بابتسامتي البراقة، إنها أكثر ما أملك من مظاهر الإغراء فتكاً، مما جعله يستمر في التحديق بي، دون أن يركز فيما قلت، ومظاهر الإعجاب بادية على وجهه،
فسألته بدوري هرباً من مغازلته اللطيفة : وأنت هل حظيت بالدلال؟
- أه أنا، لا ليس دلالاً، وإنما حظيت بالرعاية وهذا يكفيني، فأمي دللت البنات فقط، أنتم البنات دائما تحتكرون الحب والمشاعر، بينما كتب علينا نحن الرجال، أن نكمل مسيرة آبائكن ؛علينا أن نستمر في تدليلكن.
أصابني حديثه بنوع من الحيرة، هل يعتقد فعلاً أن عليه أن يدللني؟ هذا أمر جيد، لكن هل يقصد أنه سيفعل ذلك، أم هي مجرد شعارات سرعان ما سينساها.
وتابع: حينما تزوجت أختي الكبرى، لاحظت كيف تعبت في التجهيز لليلة كهذه، أدركت وقتها أن على زوجها في ذلك الحين أن يجهز نفسه أيضاً ؛ليحتفل بمجهودها ذاك، واتصلت به وسألته إن كان قد حضر شيئاً، أي شيء، لكني وجدته غارقا في شكليات لا داعي لها، ولا طائل منها، تعلمين كما فعلنا نحن أيضاً، فأخبرته عن تحضيراتها الشخصية، وأشرت عليه أن يحتفل بهذه الليلة على طريقته، ويهرب بها، وقد فعل، في الحقيقة، كنت قد قررت أن احتفل بليلتي هذه بطريقتي الخاصة، فحجزت اليخت؛ لنعيش لحظاتنا الخاصة.
- هل تقصد أننا لن نعود اليوم ؟
اقترب مني قليلاً بعد أن انتقلنا إلى الصوفا في الصالون...
- لا لن نعود... إنها أيامنا الخاصة.
- يا إلهي ،لا بد أن أمي ستقلق، ثم ماذا سأفعل بالفساتين التي أعددتها خصيصا للصباحية ،واستقبال المهنئين!
وكأنه علم ماكنت أفكر فيه و قال: بالتأكيد أنتِ تفكرين في الصباحية أتعلمين عن نفسي أجد أن هذه مجموعة من العادات والتقاليد البالية، التي تسرق أهم وأجمل أيام عمرنا، بالكاد اجتمعت بكِ ،فهل أسمح لشكليات كهذه أن تفسد علينا خلوتنا؟ ستجدين الوقت فيما بعد لكل هذا.
سألته بقلق: هل والديك على علم؟ أقصد هل يعلمون أننا هنا .
- ليس تماماً، لكني تقريباً ألمحت لوالدتي قبل أن نغادر بلحظات.
- ألمحت فقط.؟
- علي أن أخبر أمي كي لا تقلق.
كان قد بدأ يقترب مني أكثر وبدأ يطوقني قائلاً: لا شأن لأمكِ بالأمر، ليس عليها أن تقلق عليكِ بعد الآن، أنتِ معي أنا، زوجكِ، أنا الوحيد الذي عليه أن يقلق منذ اليوم، لغيابكِ.
- أجبت بعد أن شعرت بدوخة إثر شدة اقترابه ودفء كلماته: أوووه، نعم... معك حق.
- شما، لماذا قبلت بي...؟؟
باغتني السؤال .. لحظة صمت مرت، فسؤاله، أصابني بالذهول، حتى أنا لا أعرف لما قبلت به، لكني قلت: ارتحت إليك.
فنظر لي معاتبا :هذا فقط مجرد ارتياح، أم أنه حب من النظرة الأولى ؟ كان قد بدأت كف يديه تعانق كف يدي...
- لا أعلم... وأنت لما اخترتني ؟
قال بسرعة لم أتوقعها: لأني أحببتك، ...
فأبعدت عيوني، وشابتني المفاجأة، ثم فجأة أيضا قام مبتعداً، متجها نحو الثلاجة أحظر علبة عصير وسألني : هل تشربين شيئاً؟ قلت : لا شكراً.
ثم تابع حديثه من مكانه، وهو يطالعني بنظراته المتفحصة: بصراحة حينما رأيتكِ لأول مرة، شعرت أنكِ لي، سميه حدساً، سميه أي شيء، لكني أردتكِ من كل قلبي... وقد تحريتِ عنكِ قبل أن أتقدم لطلب يدكِ، .. ولو كنتِ رفضتني كنت ِحطمت فؤادي.
أحببت هذا التصريح كثيراً، إذا فقد اختارني بكامل إرادته، وعميق رغبته، ولم يكن مجرد زواج والسلام.... لكن وجدت نفسي أتساءل أيضاً: ترى ماذا أحب في؟.. ليتني أعرف على وجه الدقة، ... حاولت أن أسأل، لكن تلك القيود التي تحيط بلساني تمنعني، أشعر أني لم أعتده بعد، ...عاد ليجلس على الصوفا لكنه جلس بعيداً هذه المرة، وبدا يتأملني بطريقة أثارت حيائي من جديد.
- استأذنكِ سأجري مكالمة سريعة.
ثم حمل موبايله ( جواله) الذي كان مطفأ منذ ليلة أمس، وقف وهو يتحدث وبدأ يتجول في المكان، فاقتنصت الفرصة لأتأمله...
- أريدك أن تأتي لتأخذ السيارة... لقد تركتها هناك يجب إعادتها اليوم، .. نعم، المفتاح تركته لدى موظف الشركة، .. تصرف،.. لا تقلق لدي سيارتي أوقفتها منذ البارحة الظهر هناك، بالتأكيد وهل أغفل عن أمر كهذا.. أشكرك.
أنهى المكالمة، واقترب وهو يشرح: أخي عبدالله، ... أريده أن يعيد سيارة الزفة، فإيجارها اليومي كبير... وهو قلق بشأن تواجدنا في البحر، فأخبرته أني تركت سيارتي الخاصة على الميناء، ... يمكننا أن نخرج لتناول الغداء في مكان ما، ثم نعود إلى اليخت ما رأيكِ؟؟؟ قلت وقد أسعدني عرضه: لا مانع لدي.. متى نخرج؟
- اممممممممم بما أننا تناولنا طعام الإفطار للتو، ولسنا جائعين... فلعلنا نعود للنوم ونخرج لاحقاً.
يتبع...