و بدأت شما في سرد حكايتها...
- هيا بسرعة، الرجل قد مل الانتظار. قالت أمي تستعجلني، بينما رمقت أختي الكبرى بقلق وتوتر...
- هل تعتقدين أني سأعجبه؟ أخشى أن أسبب له صدمة.
- إنك كالقمر! ستعجبينه بالتأكيد.
- أرجوكِ دعكِ من المجاملات، إني أرتجف خوفاً، ماذا لو لم أعجبه وخرج كالخاطب السابق ولم يعد؟ هذه المرة لن أحتمل الصدمة أبداً، قد أموت يا علياء.
- تخلصي من هذه الأفكار يا شما، الرجال ليسوا متشابهين، هذا الرجل سبق أن رآكِ أكثر من مرة حينما كان يأخذ أخته من الكلية.
- من بعيد، لقد رآني من بعيد، لكنه لا يعلم أني هكذا.
- إنك ماذا؟؟
- إني هكذا، أرجوكِ قولي شيئاً يشجعني لكن لا تجامليني.
- أقسم بالله إنكِ جميلة وجذابة، وما تعتقدين أنه عيب فيكِ، أجده ميزة. امتلاء جسدكِ ومظهركِ جميل و محبب لبعض الرجال، صدقيني هناك نسبة كبيرة من الرجال يحبون هذا الشكل من الجسد، وكونكِ لم تعجبي الخاطب السابق لا يعني أنكِ لستِ جميلة، اخرجي إليه هيا، لقد طال انتظاره هو و والدته، هيا.
ألقيت نظرة سريعة على وجهي، وقلت في نفسي: أمتلك عينين جذابتين، وعلى الأقل لدي هذا الوجه ذو الابتسامة الملائكية.
وفجأة وبينما كنت ألج إلى غرفة الضيوف، شعرت بطاقة غريبة تتملكني وثقة لا أعرف من أين جاءت. رمقت أمي في الزاوية ونبهتها إلى وجودي، فهللت: هلا .. هلا، تعالي، اقتربي. هذه ابنتي شما يا أم هزاع.
أطرقت رأسي، وشعرت بالإحراج، فيما قالت والدته :يا هلا ومرحبا، ماشاء الله تبارك الرحمن! طول وجمال! هيا يا هزاع، قم وسلم على العروس.
كنت ما أزال واقفة في مكاني، حينما أقترب مني بثقة. كان طويلاً، أطول مني قلت في نفسي: الحمد لله ها قد اجتاز أول شروطي، ثم طفت بنظرة خاطفة على كتفيه وعريض أيضاً يالله إنه عريض! أعرض مني بكثير، حدثت نفسي وابتسمت بغبطة ابتسامة خفيفة، أعلم إنها تميزني كثيراً، قال بصوت رخيم: كيف حالكِ؟
فغصت الكلمات في حلقي، وقلت بتلعثم: بخ...بخير.
ضحكت أمه إثر ذلك وقالت: لا تخجلي يا ابنتي، ارفعي عينيكِ انظري إليه فهذا حقكِ، انظري لعل الله يكتب بينكما الألفة.
زادني كلامها خجلاً وحرجاً، لكن والدتي التي تعرفني جيدا تدخلت، وقالت: تعالا هنا، اجلس يا هزاع، اجلسي يا شما هنا.
وبدأت في تقديم الحلوى لنا، وفيما أنشغلت أمي ووالدته في أحاديث جانبية، نظر إلي كمن يتفحصني، وقال: في أي كلية تدرسين؟
أبقيت عيني إلى الأمام ولم أنظر إليه وقلت: آداب/ تربية إسلامية.
- جيد، وهل اخترتِ الكلية عن حب للمادة أم لأنها الأسهل؟
- نظرت إليه نظرة خاطفة وقلت بسرعة: بل أحب المادة.
نظرتي إليه غيرت شيئاً في نفسي، شعرت بالألفة وأدركت في لحظات أنه الرجل الذي أريد والذي حلمت به طويلاً، فتنفست الصعداء وبدأ توتري يتناقص، وتحل محله الرغبة في اجتذابه.
- أريده أن يعجب بي ويصر على الزواج مني، أريد ذلك، هذا الرجل يعجبني. قلت في نفسي.

- هل لديكِ أي مشاكل في الدراسة؟
- لا بالعكس الدراسة سهلة.
- يمكنني مساعدتكِ على كل حال، فأنا خريج قانون.
- أوه حقاً! كنت أتمنى دراسة القانون، لكني ترددت لأني خشيت أن لا أجد وظيفة مناسبة... أردت أن أقول له ذلك ،لكني في الحقيقة لم أقل، لم أستطع، كنت أنطق الكلمات بصعوبة.
فابتسمت فقط وادرت وجهي مخفية ابتسامة سعيدة وعريضة، بينما سمعته يقول ممازحاً: اذاً أنتِ شخصية خجولة! إن كنتِ تشعرين بالخجل فستخرج والدتكِ من المجلس لتأخذي راحتكِ.
فضحكت أمي وقالت: لماذا أخرج أنا؟؟ إنها خجلة منك، فلن يؤثر خروجي.
فقال: إذاً فلتخرج أمي هههههههه.
وهنا ضحكوا جميعاً، فيما قالت أمه: إنه يحب المزاح، هو دائماً هكذا يحب أن يجعل الجلسة مليئة بالضحكات، أخواله وأعمامه وكل رفاقه يحبون فيه هذه الميزة .
كانت والدتي قد اتفقت مع علياء أن تناديني بعد عشر دقائق من دخولي غرفة الضيوف، فهي لا تحب أن تطول فترة بقائي بصحبة الخاطب!!
طرقت أختي علياء باب المجلس فأشارت إلي والدتي بالخروج فوقفت واستأذنتهم لأخرج من الغرفة، فيما قام هو بسرعة، وقال: لحظة من فضلكِ، شما، انظري إلي جيداً، الأمر لا يستعدي كل هذا الخجل، انظري إلي لتقرري عن قناعة، وعن نفسي، فأنا جد سعيد بكِ.
طرقت كلماته شغاف قلبي، إذاً فقد أعجبته، لا بد أن جبهتي الآن أصبحت كواجهة المحلات التجارية تتلون وتومض. رفعت عيني ورمقته بسرعة، لكنه كرر قوله انظري إلي مجدداً فرفعت عيني من جديد وفي هذه المرة لم أتمكن من مقاومة ابتسامة خاصة استولت على وجهي، فأشحت وهربت من أمامه مسرعة خارج صالة الجلوس وبقيت أجري حتى وصلت غرفتي وأقفلتها في وجه علياء التي كانت تجري خلفي، وقلت في نفسي:ربااااااه ماهذا الشعور!!!

كانت علياء تهمس خلف الباب: شما افتحي الباب، إني قلقة عليكِ.
كان قلبي يخفق بشدة ولا أكاد استوعب واقعي، ثم سمعتها من جديد تقول بنفاذ صبر: إن لم تفتحي سأستدعي والدتي، لا تجعليني أقلق.
فتحت الباب وأنا ما زلت تحت تأثير الحدث، نظرت إلي علياء بدهشة، ثم قالت: أوه لا، هل أعجبكِ؟ وجهكِ يقول إنه أعجبك.
هززت رأسي بالإجابة، وقلت: وأعجبته أيضاً، قال إني أعجبه، وإنه سعيد بي.
صرخت أختي بسعادة: يااااااااه، حقاً! مباااااااارك، هل حقاً قال ذلك؟ ياله من شاب! إنه جريء فعلاً، وكيف رددتِ عليه؟
- بالهرب، لقد هربت من أمامه.
- كان حري بكِ أن تفعلي ذلك، لم يكن هناك ما هو أنسب من هذا التصرف.
- هذا رأيكِ؟
- بصراحة ..نعم، فلو كنت مكانكِ لهربت أنا الأخرى، مثل هذه المواقف جميلة، لكنها محرجة.
ثم نظرت نحوي بابتسامتها الحانية وقالت: مبارك أختي الحبيبة، مباااااارك ياشما، تستحقين كل الخير. ثم استطردت: إذاً لماذا أختبأتِ في الغرفة؟
- لا أعرف، كنت أريد أن أبقي وحدي لأهدأ، أشعر بارتباك كبير.
- الله الله.
مضت دقائق قبل أن يدخل فهد، شقيقي الذي يصغرني بخمسة أعوام، دخل كعادته، مفتعلا الخشونة، ناظراً من تحت حاجبيه الغاضبين...
- أبي يقول هل تقبل شما هزاع زوجاً أم لا؟
ضحكت علياء وسألته: ولما تقولها هكذا؟ ههههههههه، لم يعجبها.
ففتح فمه واسعاً، وقال: هاااااااا، لم يعجبها؟! لكنه شاب وسيم ومميز، وبصراحة الجميع فرحون به، ألم يعجبكِ يا شما؟ أصلاً عليكِ أن تحمدي الله على هذا العريس المميز.
أبتسمت وقلت له: فليحمد ربه هو أيضاً فقد اعجبني.
فتنفس عميقاً وقال: أووووووووف، الحمد لله.
وهم بالعودة إلى والدي، لكن علياء استوقفته وقالت له: فهد، لحظة، أريد منك خدمة صغيرة، عندما يهم هزاع ووالده بالرحيل، هلا استوقفتموهما للحديث قرب الباب بحيث نستطيع رؤيتهما.
- تقصدين هزاع أم والده؟
- هزاع طبعاً، وما علاقتنا بوالده؟
نظر فهد إلى علياء بريبة وقال : لماذا؟ ماذا تنويان؟!
- أي نوايا؟! فقط أريد أن أراه.
- فتساءل مستنكراً: ترينه أنتِ! ولماذا ترينه؟ أنت متزوجه!!
- يا إلهي ألا تفهم، أريد أن أساعد شما في اتخاذ قرارها.
فنظر لها معترضاً، لتسارع بالقول : طيب طيب ،شما تريد أن تراه من جديد، لم تره جيداً في غرفة الضيوف لأنها كانت مرتبكة.
فكر قليلاً ثم قال: وهل ستغير شما رأيها بعد أن تراه مجدداً؟؟
وهنا قلت بحماسة: لا لا أبداً، أخبر أبي أني موافقة، لكني أريد أن أجري بعض حساباتي الشخصية. وأشرت بيدي إشارة تعني اتساع وطول، فقال متذمراً: أخ منكن أنتن البنات، أعان الله الرجال.

- انظري ذاك هو إلى اليمين.
- أيهم؟ هل هو صاحب الغترة البيضاء أم الحمراء؟
كان هناك رجلين شابين وهزاع ووالده، كان يصعب عليّ أن أحدد لعلياء أيهم هزاع...
- نعم هذا هو الذي يصافح أبي.
- واو، إنه رائع، أنظري إليه كيف يتحدث.
ابتسمت واستغرقت في النظر إليه، كان شاباً وسيما جداً وعريضاً. أهم شيء أنه طويل وعريض أطول وأعرض مني لكي أشعر معه بأنوثتي، كنت طوال الوقت أحلم برجل أكبر حجماً مني لكي أصبح في حضنه كالعصفورة، لا يناسبني الزواج برجل نحيف أو قصير، مع أنهم رائعون أيضاً فشقيقي حمد نحيف جداً وقصير أيضاً كأخوالي، وهو متزوج من فتاة أصغر منه حجماً، نحيفة وقصيرة، وحينما يقفان قرب بعضيهما يشعرانكِ بالتوافق، إنهما توأمين متناسبين رائعين.
أما أنا مع حجمي الكبير بعض الشيء، والذي ورثته من عماتي وأعمامي، أحتاج إلى رجل ضخم مثلي، يستطيع أن يستوعب حجمي، وحينما أقف إلى جواره نبدو متناسقين معاً.

كنت دائماً مؤمنة بأهمية التوافق الجسدي في الزواج، وأجده مهماً بنفس أهمية التوافق النفسي والعاطفي.
- هل تعتقدين أنه مناسب لي؟ انظري إلى كتفيه، أليسا أعرض من كتفي؟
- ماهذا السؤال؟؟ بالتأكيد هما أعرض، فهو رجل وأنتِ فتاة!!
- أقصد هل تعتقدين أن وزنه أثقل من وزني؟
وهنا التفتت علياء إلي وقالت: شما، أرجوكِ لا تبدئي في هذا، الرجل مناسب ويكفي أنه صرح لكِ بسعادته بكِ، وأنت تعلمين أن هذا لا يحدث في المقابلة الأولى، لقد جاء هذا الرجل لخطبتك عن قناعة مسبقة، إنه يريدك أياً كان شكلكِ أو حجمكِ، ثم ما به حجمكِ؟ جسمكِ متناسق وجميل. أتعلمين يا شما، زوجي دائماً يطلب مني أن أزيد وزني.
بحلقت فيها وقلت: أووه، لا، هل يعقل؟ لكن جسدكِ جميل، إني أغبطكِ عليه فرغم إنجابكِ لطفلكِ ما زلتِ تتمتعين بقوام جميل!
- نعم جميل في نظركِ، لكن زوجي من الرجال الذين يحبون المرأة الممتلئة، وهناك غيره كثيرون، ولهذا فقد قررت أن أزيد وزني قليلاً.
- وأنا أتساءل منذ فترة، ما سبب هذه الزيادة المفاجأة التي طرأت عليكِ، هل حقاً هو طلب منكِ ذلك أم أنكِ تواسيني؟
- أقسم لكِ إنه طلب ذلك وبجدية.
- إلى أي حد؟؟
- ليس كثيراً، أحتاج إلى ثلاثة كيلو جرامات إضافية، لكني أتبع نظاماً خاصاً، أريد أن أزيد استدارة هذه المنطقة....
- أو ههههههه، الرجال.... ياإلهي أعانكِ الله.
- ليس أمراً إجبارياً بالطبع، لكني أحب أن أفعل أي شيء يجعله سعيداً فهو يعاملني بالمثل، وبصراحة أعتقد أن هذا سيثري حياتنا على كل حال، لكني متأكدة أيضاً أنه يحبني كما أنا ومعجب بي كيفما وجدني ورآني لأول مرة!!!
- ماشاء الله، كنت دائماً أشعر بأن علاقتكما مثالية، زوجكِ رجل طيب.
- و زوجكِ أيضاً.
- لكني لم أتزوجه بعد.
- انظري هاقد رحلوا، لقد أضعتِ علينا الفرصة بثرثرتكِ.
قلت لها بعد أن توقفت عن الكلام لتشرب بعض العصير: ألا تلاحظين أمراً يا شما؟
- ما هو؟!
- كل تركيزكِ في اختيار الزوج كان منصباً على شكله أو مظهره الخارجي، وأنكِ أيضاً ترين أنه هو الآخر سيقيمكِ بناءً على شكلكِ أو مظهركِ الخارجي، وهذا مؤشر مقلق في الحقيقة.
- هذا هو الحاصل، إنه الواقع الذي أعيشه أنا والعديد من الفتيات غيري، فباعتقادك يا دكتورة ما الذي ستحدده النظرة الشرعية سوى المظهر الخارجي؟ نظرة سريعة حتى وإن دارت فيها بعض الأحاديث فإنها لن تكشف عن شخصية الآخر. من الصعب أن تحدد النظرة أكثر من الشكل الخارجي، وهذا يجعلني أنا وغيري من الفتيات نحرص على مظاهرنا، فمظاهرنا تتحكم للأسف في مصائرنا، ومن كانت أقل جمالاً تقل حظوظها بكل تأكيد، مهما كانت في الواقع ذات شخصية جذابة لأنها حينما تلتقي الخطيب في يوم النظرة لا تكاد تعبر عن جاذبيتها أو سماتها، كل ما يأتي الخطيب ليراه هو مظهرها فقط، بصرف النظر عن صفاتها الأخرى!
يتبع...