وبينما كنت مستغرقة في قلقي إذا بهاتفي يرن، فاقتربت منه لأرى من المتصل وظهر لي اسم غريب "النشمي". من هو النشمي ؟ وكيف أن اسم شخص غريب يظهر بهذا الشكل على شاشة هاتفي رغم أني لم يسبق لي أن حفظت اسمًا مماثلًا؟ لأني في الحقيقة لا أعرف من هو النشمي ومن يكون.
أجبت باستغراب: ألو، لأسمع صوت هزاع من الطرف الآخر يقول: ألو. شككت في الأمر، هل هو هزاع فعلًا أم أنه شخص يحمل صوتًا مشابهًا فقلت: هزاع!
- نعم هزاع، ما رأيكِ؟
- في ماذا؟!
- في الاسم الذي ظهر لكِ على شاشة هاتفكِ، النشمي.
- من هو النشمي؟ وكيف يظهر على شاشة هاتفي دون أن أحفظه؟ هل أنت فعلت ذلك؟ هل هذا أحد مقالبك يا هزاع؟
- لا لم أفعل، لم يسبق لي أن حفظت اسماً لشخص ما على هاتفكِ.
- كف عن هذا، لا بد أنه أنت وإلا كيف وصل الاسم إلى هاتفي يا ترى؟
- بنفس الطريقة التي وصل بها اسم العنود إلى هاتفي يا شما.
- لم أفهم!
- إنه برنامج ثبته على جهازي قبل الاتصال بأي شخص، فيظهر له الاسم الذي أريده كلما اتصلت به. وقد سميت نفسي النشمي واتصلت بكِ ليظهر لديكِ اسمٌ لم يسبق لكِ أن حفظته في جهازك .... إلخ.
كان يواصل الشرح بينما كنت غارقة في جمع تفاصيل الأحداث واستيعاب الأمر، إذاً فقد وقعت من جديد في فخ من فخوخ مي. لم احتج إلى الكثير من التفكير لأستوعب أن مي هي السبب وأن ما حدث لم يكن سوى مكيدة جديدة من مكائدها.
شعرت بأن أعصابي ستنفجر من شدة الغضب، إلا أني حافظت على هدوئي أمام هزاع الذي كان يبذل جهدًا كبيرًا في توضيح الأمر. كم أشفقت عليه وعلى نفسي من ظلم هذه الحية وفرط دناءتها. لقد كان مهتمًا للغاية بتوضيح الأمر، ياللمسكين حقًا. هل سنمضي حياتنا معًا هكذا دائمًا في حالة من القلق؟ لا بد أن نجد حلًا، لا يمكنها أن تستمر في إيلامنا بهذا الشكل.
- هذا حرام والله العظيم حرام، أنا لم أعد أحتمل. قلت دون وعي.
لكن هزاع الذي صدمته ردة فعلي قال مطمئنًا: لا بأس غاليتي، لقد تجاوزنا الأمر على أي حال، لن نسمح له بأن يفسد المزيد من يومنا، أليس كذلك؟
- لا ليس كذلك يا هزاع ، أنت لا تعرف كيف قضيت الساعات التي سبقت هذه المكالمة. لقد كنت في حالة يرثى لها من التفكير، كنت أتقلب على نار الشك والغيرة. لقد أفسدت عليّ يومي ودمرت أعصابي وأنا فعلًا لم أعد أحتمل.
لكن هزاع الذي كان يتحدث معي بلطف ويشرح لي بهدوء، فقد في هذه اللحظة رصانته ورد مستنكرًا: الشك والغيرة! لكن كيف؟! وأنا الذي اعتقدت أن علاقتنا تقوم على كامل الثقة وعميقها، كيف لكِ أن تشكي بي؟ هذا لن ينفعنا أبدًا سواء كانت مي موجودة أو غير موجودة، فالثقة هي كل شيء.
- أرجوك لا تبدأ في تفسير الأمور كما يحلو لك، إني أتحدث عن موقف لو تعرضت له أي امرأة في أي مكان من هذا العالم لساورها الشك في الأمر. إنه أمر طبيعي.
- يبدو أني سأتعب معكِ كثيرًا، أنتِ مستعدة للشك دائمًا وغير مستعدة للثقة أبداً.
- لست كذلك ولا أسمح لك بأن تحكم عليّ أو أن تتحدث عن نواياي.
- لا تسمحين لي؟! أنا المخطئ لأني اجتهدت منذ الصباح لأفهم ما حدث. لم أترك شخصاً إلا وسألته، حتى وجدت من يفسر لي سر الاسم الذي ظهر على شاشة هاتفي رغم أني لم أحفظه. فعلت كل هذا وعرضت نفسي للتساؤلات فقط لأرضيكِ وأريحكِ، ثم بعد كل ما فعلت أجدكِ الآن لا تسمحين لي؟ شكرًا يا شما، شكرًا.
لم أكن في مزاج يسمح لي بأن ألاطفه أو أخفف من حدة نبرتي فما زلت غاضبة؛ ليس منه، بل من تلك الحية الرقطاء التي لا تألوا جهدًا في إفساد حياتي.
إني أفكر يا دكتورة في الساعات الطويلة التي قضيتها وأنا قلقة وأتقلب على نار الشك والغيرة، وكيف أنها فعلت بي هذا وانتصرت عليّ فعلًا، لكن بعد أن أنهى هزاع المكالمة، وجدت نفسي أعاني من هزيمة أخرى، فهي لم تعذبني بشكي فقط ،بل وأشعلت ذلك الشجار المقيت بيني وبين زوجي.
يا إلهي كيف أصالحه؟ هل عليّ أن أصالحه؟ لكني ما زلت غاضبة منها ومنه أيضًا لأنه اختارني لأواجه هذه الحياة القلقة والمزعجة معه. ليته لم يلتقني يومًا ولم يتزوج بي أبدًا، ليتني كنت من نصيب رجل آخر ليست في حياته حية كمي.
المشكلة أني أحببته وعشقت حياته بكل ما فيها من مشاكل وعيوب، ولم يعد بإمكاني العودة أدراجي، لكني مع الوقت بدأت أعتقد أن لي ثأري الخاص مع مي وأن المعركة لم تعد تخص هزاع وحده بل هي تخصني أنا أولًا وقبل كل شيء وتعنيني وبشدة ويجب أن أتحضر لها وبكل ما أوتيت من قوة، منذ ذلك اليوم وعدت نفسي ألا أسمح لها أبدًا بالتلاعب بي مجدّدًا وأن أبدأ الهجوم قبل أن تهجم أو حتى قبل أن تفكر في الهجوم، وقررت أن أنتقم منها شر انتقام وأن أذيقها العذاب أشكال وألوان. أحسست أني أمام معركتي القديمة، أمام الأطفال الذين كانوا يسخرون من بدانتي و يستنقصونني لأجل ما أنا عليه، وأني لن أرتاح منهم إلا إن كلت لهم اللكمات الواحدة تلو الأخرى. وهذا ما فعلته بمي لاحقًا، لقد انهلت عليها بالهجمات الواحدة تلو الأخرى، إلى الدرجة التي جعلتها عاجزة عن التركيز أو استجماع قواها لتنتقم أو حتى لتهرب بجلدها.
لم أتصور يومًا أن يصل بي الحال إلى ما وصل إليه، لكنها من بدأ وكان عليها أن تحتمل كما ذكرتِ سابقًا لدغات الدبابير بما أنها ولجت العش، وفي الحقيقة كانت بيني وبينها صولات وجولات، مرة أنتصر ومرة تنتصر في البداية، لكن ما إن تمرست جيدًا في إعداد المقالب والصفعات حتى اندفعت بقوة ولم أترك لها أدنى فرصة لتتنفس. جعلتها تدفع الثمن غاليًا، وجعلتها هي من ترجوني اليوم لأتركها في حالها.
بدا الجو مشحونًا بيني وبينه طوال اليوم، فقد عاد من عمله وهو يحاول أن يتصرف وكأن شيئًا لم يكن لكنه كان في أعماقه غاضباً مني، ومنزعجاً من فجاجة أسلوبي في الحديث معه عبر الهاتف، وفي المقابل لم أحاول من جهتي أن أرضيه أو أن ألطف الأجواء بيني وبينه، بل على العكس كنت أنا الأخرى غاضبة، وبشدة وغضبي لم يهدأ، ولم يفتر ولست مستعدة لأجامله أو ألاطفه. إني بدأت أفكر بشكل مختلف تمامًا في ذلك اليوم، فجزء مني يعتقد أنه خدعني وأنه حينما تزوج بي كان يعلم أني سأعاني كل ما أعانيه، إلا أنه أخفى الأمر عني واغتال أحلامي البريئة حيث كنت أحلم بزواج آمن، وسعيد، ومستقر.
إني أدرك أنه لا توجد علاقة زوجية بلا منغصات أو مشاكل، لكني متأكدة أن ما من علاقة زوجية تعاني ما أعانيه وما من امرأة قد تحتمل التعامل مع مجنونة كمي ثم ببساطة ستبقى على هدوءها ورقة طبعها وطيبة قلبها، تتعامل بكل هدوءٍ مع زوجها الذي تعتقد أنه السبب في كل ما تعانيه، فماضيه للأسف لا يلاحقه وحدة بل يلاحقني معه.
أتعلمين يا دكتورة، لو أن هزاع أخبرني أنه يريدها وأنه سيتخلى عني لأجل العودة إليها لكان أهون عندي بكثير من المتاعب التي تكبدتها بسبب مكائدها! فعلى الأقل كنت تألمت عدة أيام، ثم سأنساه وأرحل إلى حال سبيلي ويرزقني الله زوجًا غيره ويعوضني خيرًا لأني أستحق كل الخير، لكن إصراره وعناده اللذان يثبتان لي يوميًا أنه لن يعود لها حتى وإن كان في قرارة ذاته ما زال يريدها جعلني أتعاطف معه وأرغب في أن أصد كيدها عنه لكن بطريقتي الخاصة، فمي اعتادت دائمًا أن تكون المنتصرة في كل حرب لها، وهذا ما فهمته من كل ما سمعته عنها من العائلة، فهي دائمًا الأولى في كل شيء، وبشكل خاص فيما يخص النساء، فهي تحب أن تكون الأجمل، ولا تريد في ذلك أي منافسة من أي نوع، وهي أيضًا التي يجب أن تحظى بالتدليل والمودة من الجميع ومهما أخطأت فلا أحد يستطيع أن يلومها لأنها ليست أي فتاة بل هي مي ذات الشخصية القوية والمتسلطة والمؤذية أيضًا . الجميع يحاول أن يحذرها وأن يتجنب خوض جدال معها أو إثارة غضبها لأن انتقامها باااااااااااااارد قاتل كلدغة الحية.
غالبًا ما يغضبها أي شيء، ونادرًا ما تبدي لكِ حقيقة غضبها لكن الضحية تكتشف ذلك حينما تتلقى اللدغة، أي بعد حين.
درستها على مدى سنوات وكأنها قضية حياتي الأهم، وجعلت الانتقام منها شغلي الشاغل، فنسيت في سبيل الانتقام نفسي وبيتي وزوجي وأطفالي. أي نعم آلمتها كثيرًا ولقنتها الدرس تلو الدرس لكني لم آمن شرها، فالنتيجة واحدة فلو أني تركتها تفعل بحياتي ما تشاء دون أن أصدها لكانت دمرت علاقتي الزوجية وحينما واجهتها وتفرغت لها ها أنا اليوم أعاني من ذات المصير فقد باءت حياتي الزوجية بالفشل على أي حال.
قلت: مطلقًا،حياتكِ ليست فاشلة وهي ما زالت بخير، وزوجكِ ما زال معكِ وبإذن الله علاقتكما ستتحسن بالتدريج.
- أرجو ذلك .
يتبع...