قرر هزاع أن ينام قليلًا بعد الغداء، ويبدو أنه رغب في أن يتجنب إثارة النقاش معي. وأنا شخصيًا كنت أيضًا أرغب في تجنب النقاش والذي متأكدة من أنه قد يشعل مشاعر سلبية جدًا بيني وبينه، ففي الوقت الذي يرى فيه أني أظلمه لأني لا أقدم له الثقة الكاملة ولا أتفهم كل محاولاته لحمايتي من الشكوك، أعتقد أنا شخصيًا فيه أنه رجلٌ أناني اختار أن يعقد حياتي بالزواج منه وهو يعلم كل العلم أن لديه ماضٍ مزعج يلاحقه وسيعيق حياة أي امرأةٍ ترتبط به، أي أنني في النهاية وجدت أن خيار النوم الذي أقدم عليه هزاع أمرٌ طيب.
لكني لم أقرر النوم إلى جواره، اعتقدت أني لست في مزاج يسمح بأي نوع من الملاطفة وقررت أن أقضي فترة بعد الظهر في الصالون أحدق في الشجرة وارفة الظل التي تملأ فناء منزلي الجميل وأفكر فيما إذا كنت فعلاً قادرة على النيل من تلك الدنيئة التي تحاول سلب راحة بالي؛ ووجدتني أتساءل، ترى لو لم تكن مي في حياة هزاع كيف ستبدو علاقتي به؟
يااااااااااه، كانت ستبدو رائعة، فأنا غالبًا سأبقى شما تلك الجميلة التي كانت تتمتع بالدلال والغنج في اليخت في وسط البحر، تلك الخجول الرقيقة الحنون التي ترمي النكات الجميلة فيتقبلها قلب هزاع بالابتهاج والفراشات الجميلة التي تتطاير من عينيه كلما لمح مني ما يعجبه، سواءً في أناقتي أو حديثي أو سلوكياتي التي تعبر عن أنوثتي، كل هذا كان يجعل عينيه تلمع كما النجوم الجميلة وتبرق كما الذهب. إني غارقةٌ في حبه، لكن لأهنأ معه عليَّ أن أقضي على تلك الحية الرقطاء.
وبينما كنت غارقة في التفكير، سمعت صوت باب غرفة النوم يفتح ويخرج هزاع متكاسلًا من هناك بإزاره والفانلة ويتجه بصمتٍ وتثاقل نحو باب البيت. راقبته عبر الممر، أجده يتحدث مع شخص ما، ثم يتناول منه باقة وردٍ كبيييييييرة ويحملها عائدًا فيما يحاول أن يقرأ البطاقة.
وهنا امتعض وامتقع لونه ونظر لي وأنا التي كنت أقف هناك متسائلة عن سر الباقة، ثم طوى البطاقة في راحة يده ورمى بها بعيدًا ووضع الباقة على طاولة قريبة ثم عاد أدراجه إلى غرفة النوم دون أن يشرح أي شيء.
أسرعت إلى حمل البطاقة من على الأرض لأقرأ فيها: أسعدني تواصلك حبيبي، العنود.
تلك الغبية، تعتقد أننا لم نكشف ألاعيبها بعد. تلك الغبية ال... وبدأت في إصدار سيلٍ من السب والشتائم التي لم أعتد قولها لكني وجدت نفسي في قمة الغضب وكدت أن أرمي بالورد أرضًا، لكني قررت أخيرًا أن أهدأ، وأفكر، يا ترى ماذا أفعل؟ لن أسمح لغضبي بأن يسيطر عليّ، بل أنا من سيحول هذا الغضب إلى طاقة عمل كبيرة وسأتحرك في كل الإتجاهات لأنتصر عليها، نعم سأنتصر عليها.
إذاً فقد قررت إرسال الورد إلى البيت.
وفجأة وجدت أفكاري وقد بدأت تبلور الخطط، ماذا لو جعلتها تشرب من ذات الكأس! تلك ورودها المسمومة التي أرسلتها لتفسد المزيد من يومي ولتجعلني أشك في زوجي وأفتعل الشجار معه. وأنا سأعمل اليوم عكس ما تريد، وسأعيد لها كأسها لتشرب منه حتى يقتلها.
الورد... هذا الورد يجب أن يعود إليها ويحمل بطاقةً أخرى. امممممممممممممممممم... وبدأت أخطط.
ثم دخلت إلى غرفة النوم حيث وجدت أن هزاع لم يكن في الفراش بل دخل إلى الحمام ليغتسل، فانتظرته حتى خرج من هناك، وسألته بهدوء:
- حبيبي، هل ترغب في شرب القهوة أم الشاي؟
لكنه رد وهو يتغلى: لا شيء. لا أريد شيئًا.
بدا لي كالطفل وهو يحاول أن يثير شفقتي عليه، فقلت: متوددة بل سأعد لك القهوة التي تحبها، ما رأيك؟
بقي صامتاً لكني لمحت ابتسامةً صغيرة على شفتيه يحاول أن يخفيها ويقاوم أن تبدو واضحة أكثر، فانقضضت عليه بكلتا يدي أدغدغه، فانفجر ضاحكًا و قال: أيتها المجنونة....ااااااااااه ..........آآآآآآآآآآه يكفي.
فأطبق علي بشدة وقبلني بضمير، أشعرني كل ذلك مدى شوقه وقلقه من أن أكون فعلًا قررت أن أبتعد وأتركه بسبب كل ما يعانيه في حياته بسبب مي.
هو لم يخبرني بذلك ولن يخبرني قط، أعرف أن الرجال لا يتحدثون كثيرًا عن مشاعرهم، لكني أفهمه وأعرف ما يفكر به حتى قبل أن ينطق بكلمة وقد كنت متأكدة من أنه لم يكن نائمًا بعد الظهر، بل كان يفكر قلقًا فهو لأول مرة يشعر أني فقدت أعصابي وأني بدأت أفقد صبري فعلًا. ربما شعر بأني ندمت على زواجي به. إني كنت نادمة فعلًا ويبدو أني قد نقلت له تلك المشاعر عبر حديثي هذا الصباح.
لقد أهنت كرامته، ففي الوقت الذي كان فيه يحاول جاهدًا أن يبرر لي ما فعلته مي ويشرح الأمر، كنت أنا أنهال عليه بالتوبيخ وكأن الذنب ذنبه. رحمته وأشفقت عليه من كل قلبي وشعرت أني فعلًا أمله الأكبر في هذه الحياة وأني كل ما لديه.
- لقد أفسدت شعري.
- من قال؟ انظري كيف تبدين جميلة، لحظة... وبدأ ينكشه أكثر وقال: ها انظري، هناك من يعتبر هذه النكشة تسريحة مميزة ويدفعون مبالغ كبيرة للحصول عليها.
- هههههههههه.
لكنه قال: لحظة لحظة، وبدأ يثبتني وينكش شعري أكثر، هكذا أصبحت أشد جمالًا من ذي قبل. ثم سمح لي أن أنظر إلى وجهي في المرآة لأنفجر ضاحكة:
هههههههههههههههههههه مجنون، ماذا فعلت بشعري! تعال هنا.
وبدأت أحاول نكش شعره القصير جدًا. لم يكن هناك شعر أصلًا، فهو حليق كالعادة!
- لا تحاولي لن تتمكني من نكشه هههههههههههههه.
جلسنا نشرب القهوة بينما كانت عيناي معلقتين بباقة الورد هناك وأنا أفكر في خطة بدأت تختمر في عقلي.
ويبدو أن هزاع اعتقد أني ما زلت غاضبة من الباقة وقال: لقد كنت أحاول النوم حينما أتصل بي شخصٌ يقول إنه يحمل هدية لي، ولكنه رفض أن يخبرني بالمرسل، ثم وجدت اسم العنود على البطاقة.
كنت استمع له، بينما عقلي ما زال يخطط.
- هي تكرهك. قلت له، دون أن أخطط للكلام، كنت فقط أفكر بصوتٍ عالٍ.
- ماذا قلتِ؟
- قلت إنها تكرهك يا هزاع، هي لا تحبك، هي تكرهك وتكره انتصارك عليها. تكره أنك نجحت بعد أن تخلت عنك بينما فشلت هي وانهارت.
لمحت بريق عينيه؛ وكأني قلت للتو أمرًا مهمًا، ولهذا تابعت: هي لا تحبك كما تدعي، فالحب لا يؤلم بهذا الشكل وإنما هي تكره فيك النجاح والتفوق عليها. هي تعتقد أن كل نجاحٍ تحقق في حياتك يذكرها بفشلها وأنك تنجح لتنتقم منها ومن تخليها عنك وحرصها على استعادتك ليس حبًا ولا شوقًا لك، وإنما رغبة منها في أن تطوي نجاحاتك تحت جناحها وتثبت للجميع أنك مهما تقدمت وتعليت ستبقى في النهاية مغرمًا بها و منطويًا تحت مظلتها، فهي ببساطة مريضة ليست مستعدة لتتقبل أنها فاشلة ومهزومة.
كان هزاع يصغي لي مصدومًا مما أقول، وبدا لي أنه يستغرب كيف استطعت أن أفسر حالتها بهذا الشكل. أنا نفسي لا أعرف، لكني بدأت مع الوقت أفهم سر تصرفاتها.
قال متوترًا: كفي عن النظر إلى الباقة، سأرمي بها خارجًابعد قليل.
قلت بسرعة: لا أرجوك، لا تفعل.
لكنه استنكر قائلًا: لماذا؟ ماحاجتكِ إليها؟
- سأرسلها لصديقة عزيزة، فعلى أي حال هو مجرد ورد وما ذنب الورد. دعه أنا أتصرف به.
يتبع...