قد تبدو علياء منذ الوهلة الأولى شخصية مريضة، أو معقدة، تعاني من أزمة ثقة، او شعور عميق بالنقص والدونية، لكنها ما أن فتحت قلبها وتحدثت عن أسباب سلوكياتها ومواقفها، حتى تجد أن كل ما قامت به هي ردود أفعال، لمواقف الآخرين غير المنطقية وغير المنصفة من وجهة نظرها، وربما أيضا من وجهة نظر الآخرين،
كانت علياء تبدوا شخصية أكثر هدوءا من شما، وأكثر اتزانا، فشما دائما ما تبدو قلقة متوترة، خائفة، لا تشعر بالثقة، متذبذبة، بينما تتسم شخصية علياء اثناء الحديث بالهدوء والكياسة، وتبدو جميع أطرافها هادئة ومسالمة، إلا ان هذا الوصف ليس للمقارنة أو المفاضلة، ولكنه للتوضيح،
(( ما الذي تنوين عمله الآن يا علياء ؟!)) (( سأعود إلى زوجي وبيتي )) (( بهذه السهولة بعد كل ما حدث بينكما )) (( لم يحدث شيء، لازلت على ذمة زوجي، في الحقيقة أنا لم أطلب الطلاق، ولم يسبق لي أن طلبته، لقد افتعلت المشكلة برمتها، لأحرق قلب شما كما أحرقت قلبي )) (( لكنك قلت أنك قد طلبت الطلاق فعلا )) (( قلت ما لم أفعل ...!!!!))
(( وماذا عن الانهيار الذي اضهرته أمام هزاع، وكل تلك التشنجات، في سبيل أن يتزوج بك )) (( أنا أعرف ان هزاع لا يمكنه أن يتزوج بي، ولن يقبل، وصدقيني لم أكن اخطط للزواج به أصلا، مطلقا، كل ما كنت أريده وأسعى إليه هو أن أجعله يصل إلى تلك المرحلة التي أوصلت شما زوجي إليها، أن يأتي ليسألني ذلك السؤال القاتل، هل يقبل أهلك زواجي بشقيقتك لو أننا تطلقنا )) (( هل سألك زوجك ذلك ؟!)) (( وبمليء فيه )) (( وبماذا أجبت )) (( أجبته بأني لن أطلقك، وشما لن تتزوج بك )) (( فعلا !!!؟؟؟ )) (( نعم وفي وجهه، فأنا صريحة ولا أخاف منه ولا من غيره، أعطيته في وجهه )) (( وماذا كانت ردة فعله )) (( الوجوم، ثم أنه اعتاد على صراحتي، مقابل وقاحته، وصرف الأمر بأنه يمزح فقط لإغاضتي، أو لرؤية غيرتي كما يدعي ))
(( أنت تعتقدين إذا انه في قرارة ذاته يحبك يا علياء )) (( نعم، أنا لا أعتقد وإنما متأكدة، لكنه في المقابل لا يستطيع ان يرفض أي طلب لشما فهي حب الطفولة، في الحقيقة أنا أشعر بحبه في كل لحظة، واهتمامه، وغيرته الجنونية علي، لكن في المقابل لا أفهم سر تعلقه بشما حتى اليوم، كما لو كانت توأمه الروحي، لهذا اكرهها، فهي تتعمد دائما اشعاره بأنها نصفه الآخر الوحيد في هذه الدنيا، هل لديك تفسير ؟! )) (( نعم، لدي الكثير من ما لا تعرفينه، حول هذا النوع من المشاعر والعلاقات، سأخبرك به لاحقا، لكني أريد أن اختصر عليك الطريق هنا وأقول إن كنت في قرارة نفسك تشعرين أنه يحبك، فثقي تماما في أنه يحبك فعلا ))
(( ألست خائفة من أن تقوم شما باخبار زوجك بكل ما ادعيته هنا، وتشكوك إليه، وتخبره أنك وهزاع على علاقة )) (( ليتها تقول، هههههههههه، لانه في المقابل عليها ان تثبت ذلك، ولا تستطيع أن تثبت أي شيء، لأنه فعلا لم يحدث بيني وبين هزاع أي شيء، مجرد محادثات بريئة كان هزاع يفضفض فيها حول مشكلته مع شما ))
(( ولكن مجرد هذه المحادثات قد لا يوافق عليها زوجك، وقد تثير شكوكه )) (( أولا علياء لن تجرؤ على أن تشتكيني لزوجي، وليتها تفعل، لانها إن فعلت ستضطرني وهزاع إلى مواجهتها هي وزوجي بكل المحادثات التي كانت بينهما)) (( هل تقصدين ان هزاع متواطيء معك في هذه الخدعة )) (( ليس تماما، هزاع كان يتصل بي فعلا ليفضفض، هو لا يعلم بأمر علاقة شما بزوجي، وفي الحقيقة لا أريده أن يعرف مطلقا، لذلك أنا أتكتم على الأمر، في الواقع أخشى إن علم هزاع ان يطلق شما، وتصبح بعد ذلك حرة طليقة، فيسارع زوجي إلى تطليقي للزواج بها، ههههههههه )) (( كيف تأخذين مثل هذه الأمور الحساسة، بروح فكاهية ؟)) (( لأني أعرف الرجال يا عزيزتي، أعرفهم جيدا، هم كالأطفال فعلا، والنساء بالنسبة لهم كالألعاب، صدقيني )) (( لست أوافقك الرأي )) (( لأنك تصرين على النظر إلى العالم من خلف نظاراتك البحثية، والعلمية، بينما أرى أنا الصورة العامة، إني أنظر إلى العالم من الأعلى، بصورة شمولية ))
(( تفكرين كثيرا يا علياء )) (( في جميع الاحتمالات، وأدقق في كل التفاصيل، ولا أترك في حياتي فرصة للعشوائية )) (( هذا ما لمسته في شخصيتك منذ الوهلة الأولى على الرغم من أنك دخلت إلى هناك بشكل عدواني، وتهجمت علي أنا شخصيا )) (( أعتذر منك، كنت متحاملة فعلا على شما لا عليك )) قالت مبتسمة باحراج.
فسألتها (( ما الذي حرك الراكد، أقصد ما الذي جعلك تميلين إلى كل هذه المسرحية فجأة )) (( في الحقيقة، وجودك في الصورة أرعبني، فقد كنت أخطط لخضة خفيفة أجعل فيها شما تفيق وتعود إلى رشدها، وزوجها، لكن بعد أن دخلت إلى مكتبك شما تغيرت كثيرا، واصبحت أكثر جاذبية من السابق، وقد وجدت زوجي يهذي بها مؤخرا، جميعنا أصبحنا بمهورين بشخصيتها الجديدة، كما وأنها لم تعد مهووسة بهزاع كما كانت، باتت تفكر في نفسها أولا، وهذا الأمر أرعبني، فبما أنها تخلصت من هوسها بهزاع، يعني أنها قد تفكر في زوجي، صديقها الصدوق، وكاتم أسرارها الأوحد ))
(( وكيف علمت انها تزورني )) (( هي أخبرتني، وكانت تروي لي بعض ما تقولينه له في الجلسات، كانت تخطط لتغيير تخصص دراستها من مدرسة تربية اسلامية، إلى مدرسة موسيقى أو رسم، وهذا تحول كبير في تفكيرها، شما رغم كل امكانياتها كنت أجدها شخصية ضعيفة أمام تنوع خبراتي، وقوة شخصيتي، لكن مع هذا التحول لم تعد شما ضعيفة، فقد بدأت تنفتح فكريا، وتتسع ثقافيا، وهذا قد يجعلها تحلو أكثر في نظر زوجي))
(( لكن زوجك شخص متشدد كما تذكرين، ويرفض الانفتاح )) (( يدعي ذلك دائما، لكنه تزوج بي، بعد أن لمس أني جريئة، وقوية، ومثقفة، ومنفتحة على العالم، زوجي من أولئك الأشخاص الذي يمارسون حياتهم الخاصة بخجل، بعيدا عن أنظار المجتمع، ففي الوقت الذي يرفض فيه خروجي للعمل، لا يمانع إن أخلع الحجاب وارتدي ثوب السباحة في الخارج، وبالطبع لا أحد من اقاربنا أو أقاربه يعلم بذلك، هي حياتنا الخاصة، وأنا شخصيا أحبه جدا، وأجد انه يناسبني كثيرا، لكن في المقابل لم أستطع حتى اليوم اقناعه بالسماح لي بالعمل، هو يرفض لسببين أولهما الغيرة الشديدة، والثاني هو أنه في عائلتهم، غير مسموح بالعمل للمرأة، حيث ان عليها ان تجلس معززة مكرمة، وكل احتياجاتها تصلها إلى عقر دارها، يعني كما تقولين هي من عاداتهم الأصيلة في العائلة، يعتبرون خروج نسائهم للعمل إهانة لها ولهم، يقول مادامت المرأة غير مضطرة للعمل، فليس عليها ذلك ))
(( إني ضد هذا الرأي تماما، فالعمل مهم للرجال والنساء على حد سواء، ليس للحاجة المادية، ولكن لتحقيق الذات، والصحة النفسية ))
(( فعلا كلامك صحيح، العمل مهم لصحة الفرد النفسية، وهذا ما أقوله وأكرره يوميا أمام زوجي لكن لا حياة لمن تنادي ))