مر المساء ثقيلاً في ذلك اليوم، فأغلب الحالات التي قدمت إلى المكتب كانت معقدة بشكل كبير.
- أعتقد أني سأعتذر اليوم باكراً، فبعد الشجار الذي حدث قبل قليل بين هذين الزوجين لا أعتقد أني ما زلت صافية الذهن لاستقبل استشارةً أخرى.
- لكن هزاع في الخارج، وقد انتظر طويلاً، تأخرتِ عن استقباله في موعده نصف ساعةٍ بسبب الحالة السابقة، وأعتقد أن اعتذاركِ لن يكون مناسباً الآن.
- معكِ حق، دعيه يدخل، و أعدي لي كوباً كبيراً من القهوة من فضلكِ.
- بالتأكيد.

دخل هزاع ذلك الشاب الوسيم، المتأنق دائماً، و الذي تسبقه رائحة عطره التي ما أن يدخل إلى مكان ما تبقى فيه حتى بعد أن يغادر بساعتين أو أكثر ربما.
- مساء الخير يا دكتورة.
- مساء النور.
- أعانكِ الله على ما تواجهين في عملكِ من مواقف، بصراحة أعتقدت أن عليّ أن ادخل إلى المكتب في لحظةٍ من اللحظات حمايةً لكِ، توقعت أن يؤذيانكِ في عز عراكهما معاً دون أن يشعرا بنفسيهما، لكني بصراحةٍ أعترف بقدراتكِ، كيف أستطعتِ أن تجعليهما يخرجان مبتسمان متشابكا الأيدي هكذا ؟! هل تمارسين السحر!
ابتسمت مع ضحكةٍ مكتومة، دون أن أرد على تعليقه بكلمة، لأن أسرار العملاء ليست مادةً للنقاش مهما كانت الأسباب. فقال معتذراً: أوه نعم، أعلم، لا يحق لي أن أناقش خصوصيات عملاء آخرين، بصراحة كان الصوت عالياً للغاية، سمعت صوتهما رغماً عني لم أكن أقصد أن أتطفل، ما علينا! المهم أنك بخير هههههههههه.
كان هزاع يحاول أن يلطف الأجواء بأي طريقة فعلمت أن لديه أمرأ يخفيه، ويرغب في أن يفصح عنه، لكنه قلق من ألا أوافقه الرأي، احتفظت باستنتاجي لنفسي، وقررت أن أتركه يتدرج في الحديث، فقال: البارحة أتصلت بي شما، عدة مرات، في الحقيقة هي تتصل كل يوم تقريباً، صباحاً ومساءً، في كل الأوقات، لا تمل ولا تيأس، لا أعرف إن كنتِ قد شرحتي لها حقيقة قراري أم أنكِ لم تفعلي بعد. فباغته بسؤال: هل يذكرك اتصال شما بشخص ما؟ صدمه السؤال فعلاً، ليرد: تقصدين بمي ؟! أجبته: نعم، أقصد مي، كانت تتصل بك هي الأخرى ليل نهار، والآن لا أعتقد أنك لو أتصلت بها سترد عليك. ابتسم شزراً وكأنه قد فطن لما كنت أقصده، ثم قال: ألم أقل لكِ أنكِ متحاملة ضدي، أنتِ تكرهينني الآن.
- غير صحيح، أنا فقط أشرح لك كيف تتطور الأمور، فشما ما زالت في حالة إدمان عليك، كنت ذات يوم كل شيء في حياتها، فمن الطبيعي إذاً أن تتعلق بك بهذا الشكل، لكن مع الوقت ستنسى وتقوى، وتبدأ حياتها من جديد و بشكلٍ مختلف، هي بحاجة فقط لبعض الوقت.
- هل يعني ذلك أن عليّ أن أرد على اتصالاتها؟
- ذلك شأنك، وشيء يخصك أنت. لك كامل الحرية في الرد على اتصالاتها أو لا.
- لا أريد أن أرد عليها مطلقا.
- طبيعي.
- لماذا تقولين طبيعي أن لا أرد عليها؟

قلت له وأنا انظر في عينيه تماماً: هل لي أن أسألك من هي المرأة الأخرى في حياتك يا هزاع؟
و كأن السؤال شق صدره فجأة، فشهق كل الهواء الذي في الغرفة دفعة واحدة ثم زفره في تأففٍ كبير علا صداه بشكل مزعج ثم قال:
- عليّ أن أخبركِ، يبدو أنه لا خيار أمامي، يجب أن أخبركِ من تكون، فقد بدأت أفقد صبري، لم يعد ممكناً كتمان الأمر.
بدا هزاع متردداً للغاية، قلقا فقلت له: لما تبدو متوتراً بهذا الشكل وكأنك ستعترف بجريمة؟
- لأنني أعرف أن ما سأقوله سأدان عليه بشدة.
- على أي حال علاقتك بأخرى وأنت ما زلت متزوجاً، هي خيانة في حد ذاتها، وأياً كانت المرأة التي أنت على علاقة بها فإن ذلك لن يقدم ولن يغير في الأمر شيء.
نظر لي مجددا والحيرة تملأ عينيه، ثم قال: هل لي بأن أستأذن منك لدقائق من فضلكِ؟ ثمة أمرأة تنتظر في الخارج.
- إذاً فقد أحضرتها معك؟!
- نعم.
- أخبرني من تكون قبل أن تدخل هنا.
- أفضل أن تخبركِ هي بنفسها من تكون.
- ما هذا الغموض يا هزاع، لن أسمح لك بإدخالها قبل أن تخبرني من هي ومن تكون، علي أن أقرر إن كان يحق لها حضور الاستشارة أم لا.
- اسمحي لي من فضلكِ، أنا مضطر لإحضارها، ثم نهض من فوره وفتح الباب وقال بصوتٍ مسموع: علياء، تعالي من فضلكِ.
يتبع ...