- أعتقد أن هذا مكتبي وأنا من تقرر الانفراد بالحالة أم لا. كان عليكِ أن تستأذنيني قبل أن تطلبي من هزاع المغادرة لأنكِ هنا بلا ملف ولا أي معلومات، أنا لا أعرف عنكِ شيئاً و أنتِ غير مسجلة في ملف الاستشارات، وبالتالي لا يحق لكِ الجلوس معي لأي سبب. دخولكِ إلى مكتبي كان بلا استئذان، والآن تصرين على الانفراد بي وكأن الأمر بيديكِ!
- كنت متأكدة بأنكِ مجرد أمراة متحاملة، ولن تتعاطفي معي.
- أتعاطف! ليس من مسؤولياتي التعاطف مع أي حالة، أنا هنا لتقديم الحلول المنطقية، وأعتقد أنكِ وجدتِ الحل الذي يناسبكِ وتحاربين بشراسة لتحقيقه.
- إنه الحل الذي يناسب الجميع، يناسبني نعم، ولكنه أيضاً يناسب هزاع الذي يعاني من ضعف شخصية شما ومتاعبها طوال أعوام و يناسب شما نفسها التي ما أن جلست إليها إلا وسمعتها تشكو هزاع، هذا الحل سيريح كل الأطراف، فهزاع سيحصل على الفتاة التي حلم بها طوال حياته، وأنا سأحصل على الرجل الذي حلمت به، وشما سيرزقها الله رجلاً يناسبها، نكدياً مثلها.
- هل تكرهين شما؟!
- لا أكرهها بل أتمنى لها كل الخير، لكن خيرها ليس مع هزاع، فهي متعبة فعلاً معه، لا تطيق شخصيته، ولا تحتمل أجواء حياته، أعتقد أن شما قد تناسب زوجي أكثر.
نظرت إليها بلا أي ملامح ولا أي انطباعات، فيما كانت تتفرس في وجهي بحثاً عن علامة -ولو صغيرة- تشير إلى أني بدأت اقتنع بكلامها أو العكس، كنت مصرةً على ألا أعطيها أي إجابة ولو حتى بملامحي، لكنها سألت بفراغ صبر: و الآن هل يخرج هزاع؟
لكن هزاع كان يجلس غير مبال بطلبها فقال: لا أريد الخروج يا علياء، لا أريد.
- لما لا تريد الخروج؟ ألا يحق لي أن أتحدث معها على انفراد؟
- ما الذي تريدين قوله ولا تريدين مني معرفته؟ أعتقدت أنه لا يوجد بيننا أسرار.
لكن علياء أشاحت بوجهها بعيداً ونفخت فاقدة للصبر بلا أي كلمةٍ أخرى. و التزمت أنا الصمت لأحطم المزيد من مقاومتها، هي هنا فقط لتثبت وجهة نظرها و تريد أن تثبتها بالقوة، لا أعرف ما الذي كانت تريد أن تخبرني به بعيداً عن مسامع هزاع، لكني شعرت -في قرارة نفسي- أنها مستعدة لفعل أي شيء لتنجو بفعلتها، وهذا الأي شيء قد يكون مضراً لي أنا شخصياً، كأن تنقل عني كلاماً غير صحيح لهزاع، فقط لتبعده عن مكتب الاستشارات لأنها تعتقد أنها كانت تحكم السيطرة على هزاع، حتى بدأ يزور المكتب.
و بعد فترة طويلة من الصمت قال هزاع: ما رأيكِ يا دكتورة؟ أنتِ حتى الآن لم تعلقي على الأمر.
- إنني شخصية مهنية، وهذا مكتب استشارات رسمي، و ليس مقهى أو ديوانية لتأتي بمن تشاء إلى هنا يا هزاع و في الوقت الذي تشاء، كان عليك قبل أن تحضرها للمكتب أن تخبرني وأن تشرح لي و أنا من أخبرك إن كان من المهم أن تأتي أم لا، لا يسمح للأقرباء أياً كانت علاقتهم بالعميل أن يدخلوا بلا استئذان وبهذا الشكل الهجومي.
قالت علياء بعد أن فقدت صبرها: فهمت، أنتِ ببساطة تصرين على إقصائي من الصورة، لأن كل ما تفكرين به هو نجاح استشارتكِ مع شما، لقد قرأت عنكِ قبل أن آتي وقد لمست ذلك الحقد الكبير في قلبكِ على أي أمرأة تتعرف إلى رجلٍ متزوج، أنتِ لست دكتورة حقيقية أنتِ مجرد شخصية اجتماعية متأثرة بمجتمعها و تريد أن تثبت وجهة نظر اجتماعية عقيمة، و ليكن في علمكِ، أنا لن أتخلى عن هزاع مطلقاً، وشما لن تعود إليه، وقد أحرقت جميع سفني، فقد تطلقت من زوجي وبات هدفي نصب عيني.
قال هزاع جازراً: يبدو أني أخطأت فعلاً إذ أحضرتكِ إلى هنا يا علياء، بصراحة أنتِ غير مهذبة، اعتذري من الدكتورة فوراً، اعتذري لها الآن.
- لن أعتذر، أنا لم أقل سوى الحقيقة، ولعلمك، لو استمرت علاقتك بهذا المكتب طويلاً، فستقنعك بالعودة لشما لتعيش معها تلك الحياة الرتيبة و لتموت وأنت على قيد الحياة، ستعود مجدداً للحياة الكئيبة يا هزاع دون أن تشعر بنفسك، وسترى.
- علياء من فضلكِ، تعالي معي إلى الخارج فوراً.
- سأخرج، لكني أحذركِ يا دكتورة من أني لن أتخلى عن هزاع مهما فعلت شما، ولن أسمح لها بأن تحظى برجل لا تستحقه، إنها معدمة.
كان هزاع ينظر إليها بعينين تحملان الكثير من الشك، لكنه رغم كل ذلك كان يحترمها فعلاً، وينظر إليها بحب أيضاً، جعلتني تلك النظرات أصبح أكثر فضولاً لمعرفة السبب الذي جمع هزاع بعلياء وبعض المعلومات حول حياة علياء الخاصة، فهي لا تشبه شما في أي شيء سوى الشكل الخارجي، لكن كشخصية فشتان ما بين الاثنتين.
يتبع...