كنت أرغب في سماع القصة كاملة، لكن وقت هزاع قد أزف، ولدي جلسة استشارة مع عميلة أخرى بعده.
- يبدو أن هناك الكثير من التفاصيل في هذه العلاقة، فأنا مصرة على أن أتعرف على الصورة التي تحلم بأن تكون زوجتك عليها والتي تقول بأنك وجدتها في علياء، أما الآن فأنا مضطرة لتوديعك، موعدك القادم بعد أسبوع.
- لا أستطيع يا دكتورة، علياء مصرة على أن تكون هذه الزيارة الأخيرة.
- لا يمكنك أن تقطع الاستشارات فجأة، كما لا يمكنك أن تطلعها على كل صغيرة وكبيرة في حياتك، الاستشارات شأن خاص بك أنت وشما، هي لا علاقة لها بالأمر. انصف شما ولو لمرة واحدة، أنت مدين لها بمواصلة الاستشارات والالتزام بالعلاج وأعدك بأن شما ستترككما بسلام إن كان هذا يناسبك، فقط أكمل حضور الجلسات وتوقف عن مصارحة علياء بأي شيء.
- لكنها تصر على أن أعجل بطلاق شما.
- لماذا؟
- لنتزوج.
انتابتني ضحكة تهكمية، لكني كتمتها وإن كانت قد بدت على وجهي ثم قلت:
- تتزوج بها! الأمر ليس بهذه السهولة وعليها أن تدرك ذلك،علاقتكما شائكة وتحيط بها الكثير من المخاطر التي لن تنتهي مدى الحياة، سيحمل وزرها أبناؤكما. نحن نعيش في مجتمع يا هزاع، مجمتع سيبقى يذكركما بحادثة كهذه مدى الحياة.
- لا يهمني الناس ولا المجتمع، تهمني راحة بالي.
- صحيح، راحة البال، لكن لراحة البال شروطاً، وهذه الزيجة ستقضى على كل عامل من عوامل راحة البال، ببساطة أنتما مقدمان على مأساة كبيرة، لا تتسرع أكمل الاستشارات وتأكد بأني لست مع شما ضدك ولست معك ضد شما، أنا مع ما يرضى جميع الأطراف وسأساعدكما جميعاً بما فيكم علياء ليجد كل منكم طريقة مناسبة ليعيش حياة متوازنة وسعيدة، تأكد من ذلك.

رحل هزاع، بينما كانت علياء تنتظره في السيارة وكنت أنا قد بدأت منذ ربع ساعة جلسة أخرى مع سيدة حينما سمعت جلبة خارج مكتبي فقمت أستوضح الأمر لأجد علياء تحاول تجاوز الأمن والسكرتيرة لتدخل إلى مكتبي، فاغلقت باب مكتبي على عميلتي لأوفر لها خصوصيتها، ثم توجهت إلى علياء التي كان هزاع قد لحق بها، وهو يقول: علياء من فضلكِ بدون فضائح، لم أكن أعرف إنكِ هكذا!
- إنني ماذا؟ الآن تريد أن تبحث لي عن أخطاء الآن يا هزاع.
تدخلت قائلة: تريدين رؤيتي يا علياء؟
- بل أريد أن أقول لكِ كفوا، كفوا، كفوا ...
- نكف عن ماذا؟
- عن إجبار المتزوجين على الموت في حياة زوجية لا تناسبهم. فقط لتكسبوا النقود، تستمرون في إقناع الناس بأن عليهم الاستمرار في علاقات زوجية فاشلة، لماذا على هزاع أن يستمر مع شما وهي لا تناسبه؟ ولماذا عليّ أنا أن أدفن شبابي وأعيش حياة أشبه بالموت مع رجل لا يعرف من الدنيا سوى العمل والسرير؟ ليس من حقكِ مطلقاً أن تغيري مصيري أو مصير هزاع، لقد عشت حياتي كلها أخشى كلام الناس فماذا جنيت؟! لم أجن شيئاً، لم أجن سوى الجنون، نعم كنت أعاني من حالة نفسية أشبه بالجنون قبل أن ألتقي هزاع، وهزاع انتشلني منها لقد فعل فقط لأنه جعلني أشعر أن ما أحلم به من حقي وليس جنوناً، شما التي تدافعين عنها والتي تحاولين مساعدتها لتفرض حياتها المميتة القذرة على هزاع ليست سوى أنانية متشككة مريضة بالوسواس، لماذا تحكمين على هزاع بأن يموت معها، رجل يحب الحياة، لماذا يموت مع شما النتنة!!
- اخفضي صوتكِ، وصوني لسانكِ، أنت في مكتبي وكلمة أخرى وسأطلب من الأمن أن يأخذكِ للخارج.
لكن هزاع تدخل قائلاً: لا بأس يا دكتورة أنا سآخذها.
لكنها عاندت الخروج قائلة: لن أخرج حتى أنهي كلامي...
كان علي أن أدرس وفي ثوان هدف علياء من هذه الجلبة، علياء تقع تحت ضغط رهيب للغاية فطلاقها من زوجها كان قراراً صعباً، لكنه مرحلة من خطة هي وضعتها لحياة حلمت بها، ولعلها توقعت جميع التحديات التي قد تمر بها وقد وضعت لها حلاً أو قررت أن تتجاوزها، لكنها لم تتصور أنها قد تواجه مشكلة أخرى، وهي هذه الاستشارة التي أقنعت فيها هزاع بالتريث على شما، وإعطائها الوقت لتستجمع فيه قواها.
- عليكِ أن تسمعيني، عليكِ أن تنفذي ما أطلبه منكِ. لكني قلت لها: لأسمعكِ خذي موعداً، وتعالي في موعدكِ واجلسي بهدوء وتحدثي، لكن بهذه الطريقة فإني لن أسمعك لو صرختي العمر بطوله.
- حاولت أن أحصل على موعد، لكني لم أجد قبل أسبوعين، وأنا مستعجلة.
- مستعجلة لأجل ماذا؟ لقد تطلقتِ من زوجك وانتهى الأمر، على ماذا العجلة؟
- على طلاق شما.
- طلاق شما لا يعنيك لا شأن لك به.
نظرت لهزاع؛ تنتظر منه إجابة لكن هزاع بدا متشككاً جداً وحائراً مما جعل علياء تهرب من أمامنا متخذة الباب للخارج، تسمر هزاع في مكانه غير مصدق لما حدث، كان يبدو أنه يحب علياء أو يحترمها على أقل تقدير، لكنه يعيش أصعب قرار في حياته،
- ما بك؟؟ سألته بينما كان يقف هناك يحدق في الفراغ وتعلو وجهه نظرة الاستغراب.
- أخشى أن تتهور، ماذا لوعلمت شما بالأمر؟
- ألم تفكر في هذا من قبل ؟!!! كيف تنوي الزواج بشقيقتها دون أن تفكر في ردة فعلها لو علمت بالأمر؟
- كنت أنوي طلاق شما أولا، ثم بعد عدة اشهر اتقدم لعلياء كما لو كانت رغبتي في خطبة علياء قد جاءت متأخرة، لا أريد ان تعرف شما اني كنت على علاقة بشقيقتها اثناء زواجي بها.
- كف عن مقابلتها هذه نصيحتي الحالية لك، كف عن مقابلتها أو الرد على اتصالاتها مهما فعلت، غير مكان إقامتك، افعل أي شيء يجعلها لا تصل إليك، وتأكد أنها ستثور أكثر لبعض الوقت ثم ستعود لتهدأ.
- أخشى أن يجن جنونها أكثر.
- على العكس ستهدأ، اسمع كلامي، كن حاسماً معها، توقف تماماً عن التواصل معها، تماماً، واختفي حتى موعد الاستشارة القادمة، وستهدأ وتعيد النظر في تصرفاتها.
- أشكركِ.
- تركته هناك ومضيت إلى مكتبي لأكمل عملي، لكني فجأة سمعت صوت هزاع المبحوح وهو يقول: دكتووورة. فالتفت لأجد عينيه تكاد تتفجر بالدموع، ينظر كالطفل التائه، ويريد أن يقول شيئاً، ثم نطق أخيراً: لا أريد ان افقد شما. ثم انهار فجأة.
فطلبت من السكرتيرة أن تستضيفه في المكتب المجاور حتى يهدأ، فليس من اللائق أن ينهار بهذا الشكل هنا، لكني كنت أتوقع كل ما حدث فالإنسان لا يكاد يعرف حقيقة مشاعره حتى يرى حقائق ما حوله.
- كيف أنت الآن يا هزاع؟
- بخير، دكتورة، لقد كنت أفكر كثيراً في الآونة الأخيرة، لا أعرف كيف تسارعت الأحداث، في الحقيقة، لكن تأكدي انه لم يحدث بيني وبينها أي شيء، كل ما هنالك مكالمات هاتفية فقط، أرجوكِ لا تجعلي ما حدثتكِ عنه من ماضي حياتي يحدد حكمكِ على تجربتي مع علياء، علاقتنا كانت بريئة، كنا نقضي الوقت معاً، أي نعم كنت معجباً بها كثيراً وأحببتها صدقا، لكن هذا لا يعني أن أتزوجها أو أن أخسر عائلتي لأجلها.
- لكنك أنت من أحضرها للمكتب وطلبت مني أن أساعدكما على الزواج.
- لا أعرف كيف أنها تسيطر على أفعالي، لا أفهم كيف تدفعني دفعا لتلبية ما تريد ثم أفكر وأندم بعد أن أستجيب لطلباتها، أنتِ بنفسك أدركت أني لا أوافقها الرأي أليس كذلك؟ وأني أحضرتها لأني مجبر وخائف من أن تخبر شما بالعلاقة، كنت في موقف حرج، أرجوكِ لو علمت شما بهذه العلاقة فلن يبقى لي مكان في قلبها، متأكد أنها لن تسامحني أبداً.
- إن كنت حريصاً على علاقتك بشما هكذا لما خنتها مع شقيقتها؟!
- لم أخنها، كانت علاقة صداقة تطورت لعلاقة حب بريئة لكن ليس إلى حد الخيانة.
- وهل الخيانة في نظرك مجرد سرير؟! الخيانة يا هزاع تحدث أيضاً بالمشاعر.
-معكِ حق، لكنها نزوة، فشما أيضاً لديها نزواتها.
- شما؟!
- نعم، هذا ما كنت أخفيه وهذا ما علمته من علياء.
- بدأت أفهم الآن.
لا بأس يا هزاع، لكني مضطرة للعودة لمكتبي فلدي استشارة أخرى. نلتقى في موعد استشارتك، وإلى ذلك الحين تأكد إني لن أخبر شما بشيء، لكن أريدك أن تعدني بأن لا تحدث علياء ولا تتواصل معها مطلقاً.
- أعدكِ.